نمارس النقد في حق الآخرين ولكننا نخشاه ونهرب منه
طبع الإنسان على أن يفرح بالمدح، ويكره الذم والنقد؛ لكن العقل الراشد يحبب إلى صاحبه النقد الهادف؛ لأنه تَدَرُّجٌ في سلم الكمال, وعون على تجاوز النقائص والعيوب.
لكن مع الوقت-وإذا قيض للمرء من يمدحه فيفرط، أو يذمه فيفرط- يتقارب الطرفان، ويصبح المادح والقادح كأنهما سواء.
ويحق القول إننا -نحن الإسلاميين, وطلبة العلم- نمارس النقد في حق الآخرين، ولكننا نخشاه كثيرًا ونهرب منه، وهذا ليس بجيد؛ بل الحق أن نقبله, ونفرح به, ونشجع عليه.
وربما يكون اختلال الميزان الأخلاقي سببًا في حصول أزمة النقد, وتحوّله إلى لون من التهاجي, والتدافع, والتفاضح؛ عوضًا عن كونه تعاونًا على الحق وتواصيًا به، ومدارسة لأوجه الصواب, وبحثًا عنها.
وفي الغالب نحن نقوم بتصنيف الناس, وفرزهم إلى مجموعات متناسبة؛ في الرأي والفكر قبل أن نوجه النقد الذي يستهدفهم كأفراد وكمجموعات في الوقت ذاته.
يعاتبني بعض الإخوة على عدم الرد، وأنني أمضي دون أن ألتفت إلى هذا المقال, أو ذاك!
وأقول: عدم الرد لا يعني التقليل من أهمية النقد الموجه إليّ, أو إلى غيري؛ لكنه يساعد على تقبله ولو بعد حين، فلا تذهب فائدته في حمى الغضب والانفعال منه، لما قد يحتويه من زيادة, أو حدة, أو انفعال.
وترك الرد يعني – فيما يعني – الثقة بالقارئ، وأنه يملك نوعًا من التمييز والنظر؛ فهو سمع هذا الرأي وذاك، وبقي أمر الاختيار إليه، حتى لو أخطأ في نظرنا، فليس الموقف مدعاة للإلحاح, أو المحاصرة, أو الإكراه في القبول, أو الرد.
وقد أصبحنا نجد نوعًا من الفسحة في صحافتنا الورقية و الإلكترونية : في المناقشة, والرد, والأخذ, والجدل. وهي ظاهرة صحيّة, لا يملك الإنسان إلا الإشادة بها.
ولعل من باب شكر النعم؛ أن نتواصى بالرقي بمستوى مجادلاتنا, من الدوران حول الشخص إلى معالجة الموضوع، ومن الانطلاق من موقف شخصي أو مذهبي أو طائفي إلى موقف مصلحي متجرد، همّهُ رضوان الله، ورائده البحث عن الحق، وغايته مصلحة البلد وأهله أجمعين.
والذي حدا بي إلى كتابة هذه الأحرف؛ ما لحظته في العديد من المقالات, والزوايا؛ التي تفسح صدرها –أحيانًا- لكتابات تنطلق من الطعن, والتجريح الشخصي الذي يضيع في غماره ما قد تتضمنه من الحق.
ونحن في هذه الأمة حَمَلَةُ رسالة، وأصحاب ديانة، ودعاة أخلاق. وهذا إنما يَبِينُ عند الاختلاف في الرأي والموقف.. فليكن لنا من رجولتنا وديانتنا ما يعصمنا عن الاستجابة لنوازع النفس, أو انطباعات العقل التي لا تخضع للتمحيص والتحرير.
..................................................
بقلم الدكتور سلمان العودة
مع تحيات :كيمو